• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مشروعية الاتفاق والاختلاف

د.مازن صافي

مشروعية الاتفاق والاختلاف

في جلسات الحوار، وتبادل الآراء، وتحويل البيانات إلى معلومات لصناعة القرار، نرى أن الجلسة لا يمكن أن تكون سليمة من حيث العصف الذهني والفكري وتبادل الآراء واستقراء الأُفق ووضع أُسس للمستقبل إلّا في وجود الاتفاق والاختلاف وأحياناً النقد بين المجتمعين، وقد تكون الجلسة في حالة انسجام واتفاق تام وتخرج بآراء قوية وتفضي إلى قرارات هامة، وهنا نتحدث عن (بعض) أو (جزء) وليس الشمولية أو التعويم، لأنه من السلامة في الجلسات أن يكون هناك الاتفاق والاختلاف في الرأي لصالح تبيان الأمر حتى الوصول إلى القرار السليم الخالي من العثرات والشوائب والذلات ما أمكن ذلك.

في أي جلسة حوار، يجب أن يكون هناك المفكر والمثقف، هذا المفكر الذي يبحر في أُم العلوم وينحت في صخر البيان، ويستخرج كنوز المعلومات، وهناك المثقف الذي يتسم بالوعي والإدراك والقدرة على صياغة الموقف واحتواء الجماعة أو المجموع لامتلاكه صفات تسلح بها من تجاربه واختلاطه وثقافته وإطلاعه وقربه من المفكر.

النقاش النقدي، لم يكن يوماً الترادف للجدال اللفظي أو عنجهية التمترس خلف الموقف المنفرد أو المتفرد، بل هو اتساع المكان ومساحات التجديد والتحديث والتطوير، وتفحيص الشكل والبيان والمعنى والمضمون، وهو المعنى المرادف للمعرفة والقدرة على البناء، والإقناع، فالدفاع عن الفكرة أمر مشروع، كما أن نقد الفعل والأسلوب أمر مطلوب، وبالتالي مَن يضع هذا النقد في خانة الممنوع، فليراجع أفكاره وثقافته .

إن المفكر هو الشخص الذي لا يجيد القدرة على الوصول إلى القمة، لأن قمته تكمن في تقديم الغذاء المعرفي للمجموع، وتعبئة العقول بزاد التنظير والثبات، فتكون ساعات يومه لصالح النضال وتعزيز المواقف، وتقديم البراهين السليمة، وبل الأهم هنا أن ما يميز المفكر والذي لا أرى أنه يبتعد عن توصيف المثقف إلّا في المهمة والكيفية، هو الإيمان الراسخ والمتين أن الرأي يحتمل إما الخطأ أو الصواب، وبالتالي لا تناقض ولا خصام في القبول، بل يرى المفكر المثقف أن الاختلاف يعني تحريك ملكات النقاش والتعمق، والاتفاق هو لمس البرهان  والبعد عن القشور.

المفكر المثقف الذي يدافع عن الحقائق والحريات والحقوق، يجب أن يمنح الحصانة، لأنه من يفك القيود وينثر بذور الثقافة والعلم والأدب والمسلكيات، وحين يُحارب المثقف المفكر، فهذا يعني أن هناك خللاً في الثقافة والسلوك والحقوق والحريات.

ومما استفدت من حواري حول ذات الفكرة والمضمون مع أخي بكر أبوبكر المفكر الفلسطيني الوطني قوله: "في الحوار ضمن أحد أهم التعريفات الحديثة التي اتناغم معها ممكن أن نقرأ أنه يعني 3 كلمات فقط لا غير هي//أن نفكر معاً// وهي نظرية متكاملة لها بداية ونهاية، وأما إن النقاش يفترض الاتفاق والاختلاف جائز، ولكن قد يكون التنوّع أشمل من فكرة الاختلاف، لأن في التنوّع غنى بينما قد يكون بالاختلاف تنافر، وبما يتعلق بمن يحضر الاجتماع فهم كثير نعم قد يكون منهم المفكر وقد يكون المنفذ (المنجز) أو المبتكر وأيضاً المنظم والمتمم والناقد والمدير (حل المشاكل والتوفيق=الموفق) وهنا يكون القائد واحد من الأدوار أيضاً، وهي ما يسمونها في فكرة عمل الفريق "الأدوار" أي إن الأدوار الثمانية المذكورة (كل شخص قد يمتلك دور أو اكثر) ضرورية وهامة حيث وجب العمل أو وجب النقاش لأن الفريق بدونها لا يقوم بفعله بالوجه الاكمل."

ومن الجميل أن نختم مقالنا بالقول إنه "لا مشروعية للمفكر إذا لم ينهض بنقد المثقف" ولا يمكن تصنيف المثقف إلّا أن يكون قارئاً نهماً ومتبصراً عميقاً ومستنبطاً واعياً ومفكراً ناقداً وقابلاً للنقد، دون صدام أو نفور أو نزاع.

ارسال التعليق

Top